فصل: (سورة فاطر: آية 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة فاطر: آية 38]:

{إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}.
كالتعليل، لأنه إذا علم ما في الصدور وهو أخفى ما يكون، فقد علم كل غيب في العالم وذات الصدور: مضمراتها، وهي تأنيث ذو في نحو قول أبى بكر رضى اللّه عنه: ذو بطن خارجة جارية وقوله:
لتغنى عنّى ذا إنائك أجمعا

المعنى ما في بطنها من الحبل، وما في إنائك من الشراب، لأن الحبل والشراب يصحبان البطن والإناء. ألا ترى إلى قولهم: معها حبل، وكذلك المضمرات تصحب الصدور وهي معها، وذو: موضوع لمعنى الصحبة.

.[سورة فاطر: آية 39]:

{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إلا مقتا وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسارًا (39)}.
يقال للمستخلف: خليفة وخليف، فالخليفة تجمع خلائف، والخليف: خلفاء، والمعنى: أنه جعلكم خلفاءه في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها، وأباح لكم منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة فَمَنْ كَفَرَ منكم وغمط مثل هذه النعمة السنية، فوبال كفره راجع عليه، وهو مقت اللّه الذي ليس وراءه خزى وصغار وخسار الآخرة الذي ما بقي بعده خسار، والمقت: أشدّ البغض. ومنه قيل لمن ينكح امرأة أبيه: مقتى، لكونه ممقوتا في كل قلب، وهو خطاب للناس. وقيل: خطاب لمن بعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جعلكم أمّة خلفت من قبلها، ورأت وشاهدت فيمن سلف ما ينبغي أن تعتبر به، فمن كفر منكم فعليه جزاء كفره من مقت اللّه وخسار الآخرة، كما أنّ ذلك حكم من قبلكم.

.[سورة فاطر: آية 40]:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتابًا فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا (40)}.
{أَرُونِي} بدل من {أرأيتم} لأنّ المعنى: أرأيتم أخبرونى، كأنه قال: أخبرونى عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الإلهية والشركة أرونى أي جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون اللّه أم لهم مع اللّه شركة في خلق السماوات، أم معهم كتاب من عند اللّه ينطق بأنهم شركاؤه فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب. أو يكون الضمير في {آتَيْناهُمْ} للمشركين، كقوله تعالى {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطانًا} أم آتيناهم كتابا من قبله، بل إن يعد بعضهم وهم الرؤساء بَعْضًا وهم الأتباع {إِلَّا غُرُورًا} وهو قولهم {هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ} وقرئ: {بينات}.

.[سورة فاطر: آية 41]:

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)}.
{أَنْ تَزُولا} كراهة أن تزولا. أو يمنعهما من أن تزولا: لأن الإمساك منع {إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا} غير معاجل بالعقوبة، حيث يمسكهما، وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّا، لعظم كلمة الشرك كما قال {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ} وقرئ: {ولو زالتا وإن أمسكهما}.
جواب القسم في {وَلَئِنْ زالَتا} سدّ مسدّ الجوابين، ومن الأولى مزيدة لتأكيد النفي، والثانية للابتداء. من بعده: من بعد إمساكه. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه أنه قال لرجل مقبل من الشام: من لقيت به؟ قال: كعبا. قال: وما سمعته يقول؟ قال سمعته يقول: إنّ السماوات على منكب ملك. قال: كذب كعب. أما ترك يهوديته بعد ثم قرأ هذه الآية.

.[سورة فاطر: الآيات 42- 44]:

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (42) اسْتِكْبارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)}.
بلغ قريشا قبل مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنّ أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فقالوا: لعن اللّه اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم، فو اللّه لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم، فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كذبوه. وفي {إِحْدَى الْأُمَمِ} وجهان، أحدهما: من بعض الأمم، ومن واحدة من الأمم من اليهود والنصارى وغيرهم.
والثاني: من الأمّة التي يقال لها إحدى الأمم، تفضيلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة {ما زادَهُمْ} إسناد مجازى، لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم. نفورا عن الحق وابتعادا عنه كقوله تعالى {فَزادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} {اسْتِكْبارًا} بدل من {نفورا} أو مفعول له، على معنى: فما زادهم الا أن نفروا استكبارا وعلوّا فِي الْأَرْضِ أو حال بمعنى: مستكبرين وماكرين برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين. ويجوز أن يكون {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} معطوفا على {نفورا} فإن قلت: فما وجه قوله {وَمَكْرَ السَّيِّئِ}؟ قلت: أصله: وأن مكروا السيئ، أي المكر السيئ، ثم ومكرا السيئ، ثم ومكر السيئ. والدليل عليه قوله تعالى {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ومعنى يحيق: يحيط وينزل. وقرئ: ولا يحيق المكر السيئ، أي: لا يحيق اللّه، ولقد حاق بهم يوم بدر. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا، فإنّ اللّه تعالى يقول {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا، يقول اللّه تعالى: {إنما بغيكم على أنفسكم}». وعن كعب أنه قال لابن عباس رضى اللّه عنهما: قرأت في التوراة: من حفر مغواة وقع فيها. قال: أنا وجدت ذلك في كتاب اللّه، وقرأ الآية. وفي أمثال العرب: من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا. وقرأ حمزة: {ومكر السيئ} بإسكان الهمزة، وذلك لاستثقاله الحركات مع الياء والهمزة، ولعله اختلس فظنّ سكونا أو وقف وقفة خفيفة، ثم ابتدأ {وَلا يَحِيقُ} وقرأ ابن مسعود: {ومكرا سيئا} {سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم، وجعل استقبالهم لذلك انتظارا له منهم، وبين أنّ عادته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها ولا يحولها، أي: لا يغيرها، وأنّ ذلك مفعول له لا محالة، واستشهد عليهم بما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلهم إلى الشام والعراق واليمن: من آثار الماضين وعلامات هلاكهم ودمارهم {لِيُعْجِزَهُ} ليسبقه ويفوته.

.[سورة فاطر: آية 45]:

{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا (45)}.
{بِما كَسَبُوا} بما اقترفوا من معاصيهم {عَلى ظَهْرِها} على ظهر الأرض {مِنْ دَابَّةٍ} من نسمة تدب عليها، يريد بنى آدم. وقيل: ما ترك بنى آدم وغيرهم من سائر الدواب بشؤم ذنوبهم.
وعن ابن مسعود: كاد الجعل يعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم تلا هذه الآية. وعن أنس: إن الضب ليموت هزالا في جحره بذنب ابن آدم. وقيل: يحبس المطر فيهلك كل شيء {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى يوم القيامة {كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا} وعيد بالجزاء.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة: أن أدخل من أي باب شئت». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{يا أيُّها النَّاسُ أنتم الفقراء إِلى الله} أي: المحتاجون إِليه {واللّهُ هو الغنيُّ} عن عبادتكم {الحميد} عند خلقه باحسانه إِليهم.
وما بعد هذا قد تقدم بيانه [إبراهيم: 19، الأنعام: 164] إِلى قوله: {وإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي: نَفْس مُثْقَلة بالذُّنوب {إِلى حِمْلها} الذي حملتْ من الخطايا {لا يُحْمَلْ منه شيءٌ ولو كان} الذي تدعوه {ذا قربى} ذا قرابة {إِنما تُنْذِرُ الذين يَخْشَوْنَ ربَّهم بالغيب} أي: يخشونه ولم يَرَوه؛ والمعنى: إِنما تَنفع بانذارك أهل الخشية، فكأنك تُنذرهم دون غيرهم لمكان اختصاصهم بالانتفاع، {ومن تَزَكَّى} أي: تطهَّر من الشِّرك والفواحش، وفعلَ الخير {فانَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسه} أي: فصلاحُه لنَفْسه {وإِلى الله المَصيرُ} فيجزي بالأعمال.
{وما يستوي الأعمى والبصير} يعني المؤمن والمشرك، {ولا الظلُّمُاتُ} يعني الشِّرك والضَّلالات {ولا النُّورُ} الهدى والإِيمان، {ولا الظِّلُّ ولا الحَرورُ} فيه قولان.
أحدهما: ظِلُّ اللَّيل وسَمُوم النهار، قاله عطاء.
والثاني: الظِّلُّ: الجَنَّة، والحَرُور: النَّار، قاله مجاهد.
قال الفراء: الحَرُور بمنزلة السَّمُوم، وهي الرِّياح الحارَّة.
والحَرُور تكون بالنَّهار وبالليل، والسَّمُوم لا تكون إِلا بالنَّهار.
وقال أبو عبيدة: الحَرُور تكون بالنَّهار مع الشمس، وكان رؤبة يقول: الحَرور باللَّيل، والسَّمُوم بالنَّهار.
قوله تعالى: {وما يستوي الأحياءُ ولا الأمواتُ} فيهم قولان.
أحدهما: أن الأحياء: المؤمنون، والأموات: الكفار.
والثاني: أن الأحياء: العقلاء، والأموات: الجُهَّال.
وفي لا المذكورة في هذه الآية قولان.
أحدهما: أنها زائدة مؤكِّدة.
والثاني: أنها نافية لاستواء أحد المذكورَين مع الآخر.
قال قتادة: هذه أمثال ضربها اللّهُ تعالى للمؤمن والكافر، يقول: كما لا تستوي هذه الأشياء، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.
{إِنَّ الله يُسْمِعُ من يشاء} أي: يُفهم من يريد إِفهامه {وما أنت بِمُسْمِعٍ مَنْ في القُبور} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والجحدري: {بِمُسْمِعِ مَنْ} على الإِضافة؛ يعني الكفار، شبههم بالموتى، {إِن أنتَ إِلاَّ نذير} قال بعض المفسرين: نُسخ معناها بآية السيف.
قوله تعالى: {وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فيها نذير} أي: ما من أُمَّة إِلا قد جاءها رسول.
وما بعد هذا قد سبق بيانه [آل عمران: 184، الحج: 44] إِلى قوله: {فكيف كان نَكيرِِ} أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب، وافقه في الوصل ورش.
قوله تعالى: {ومن الجبال جُدَدٌ بِيضٌ} أي: ومِمَّا خَلَقْنا من الجبال جُدَدٌ.
قال ابن قتيبة: الجُدَدُ: الخُطوط والطَّرائق تكون في الجبال، فبعضُها بِيض، وبعضُها حُمر، وبعضُها غرابيبُ سودٌ، والغَرابيب جمع غِرْبِيبٍ، وهو الشديد السواد، يقال: أسْودُ غِرْبِيبٌ، وتمام الكلام عند قوله: {كذلك}، يقول: من الجبال مختلِفٌ ألوانه، {ومِنَ النَّاس والدَّوابِّ والأنعام مختلِفٌ ألوانُه كذلك} أي: كاختلاف الثمرات.
قال الفراء: وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وسودٌ غرابيب، لأنه يقال: أسودُ غِرْبيبٌ، وقلّما يقال: غربيب أسود.
وقال الزجاج: المعنى: ومن الجبال غرابيبُ سود، وهي ذوات الصخر الأَسْود.
وقال ابن دريد: الغِرْبيب: الأَسْود، أحسِبُ أن اشتقاقه من الغُراب.
وللمفسرين في المراد بالغرابيب ثلاثة أقوال.
أحدها: الطرائق السُّود، قاله ابن عباس.
والثاني: الأودية السود، قاله قتادة.
والثالث: الجبال السود، قاله السدي.
ثم ابتدأ فقال: {إِنَّما يخشى اللّهَ مِنْ عِباده العُلَماءُ} يعني العلماء بالله عزَّ وجل.
قال ابن عباس: يريد: إِنَّما يخافُني مِنْ خَلْقي مَنْ عَلِم جبروتي وعِزَّتي وسلطاني.
وقال مجاهد والشعبي: العالِم من خاف اللّهَ.
وقال الربيع بن أنس: من لم يَخْش اللّهَ فليس بعالِم.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَتْلُون كتاب الله} يعني قُرَّاء القرآن، فأثنى عليهم بقراءة القرآن؛ وكان مطرّف يقول: هذه آية القُرَّاء.
وفي قوله: {يَتْلُونَ} قولان.
أحدهما: يقرءون.
والثاني: يَتبَّعون.
قال أبو عبيدة: {وأقاموا الصلاة} بمعنى ويُقيمون، وهو إِدامتها لمواقيتها وحدودها.
قوله تعالى: {يَرْجُونَ تجارة} قال الفراء: هذا جواب قوله: {إِنَّ الذين يَتْلُونَ}.
قال المفسرون: والمعنى: يرجون بفعلهم هذا تجارة لن تفسُد ولن تَهْلِك ولن تَكْسُد {لِيُوَفِّيَهم أُجورهم} أي: جزاء أعمالهم {ويَزيدَهم منْ فضله} قال ابن عباس: سوى الثواب مالم تر عين ولم تسمع أُذن.
فأما الشَّكور، فقال الخطّابي: هو الذي يشكُر اليسيرَ من الطاعة، فيُثيب عليه الكثير من الثواب، ويُعطي الجزيل من النِّعمة، ويرضي باليسير من الشُّكر؛ ومعنى الشُّكر المضاف إِليه: الرِّضى بيسير الطَّاعة من العبد، والقبول له، وإِعظام الثواب عليه؛ وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله بالشَّكور ترغيب الخَلْق في الطاعة قلَّت أو كَثُرت، لئلاَّ يَسْتَقِلُّوا القليل من العمل، ولا يتركوا اليسير منه.
قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرثْنا الكتابَ} في ثُمَّ وجهان.
أحدهما: أنها بمعنى الواو.
والثاني: أنها للترتيب.
والمعنى: أنزلنا الكتب المتقدِّمة، ثُمَّ أَوْرَثْنا الكتابَ {الذين اصطَفَيْنا} وفيهم قولان.
أحدهما: أنهم أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم الأنبياء وأتباعهم، قاله الحسن.
وفي الكتاب قولان.
أحدهما: أنه اسم جنس، والمراد به الكتب التي أنزلها الله عز وجل، وهذا يخرَّج على القولين.
فإن قلنا: الذين اصطُفوا أُمَّة محمد، فقد قال ابن عباس: إِن الله أورث أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم كلَّ كتاب أنزله.